[frame="8 10"]
كل ما تفضل به الله من العطايا الإلهية على حَبيبه ومُصطفاه فإنه يُكرم سلفه الصالح ومن مشوا على هديه ونهجه بذلك إلى يوم الدين لأن هذا وعد الله الذى لا يتخلف والذى ذكره وبينه فى كتابه المبين عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} النور55

وعد الله لا يتخلف ولا يتخلى عن عباده الصالحين الذين صدقوا فى الاتباع لسيد الأولين والآخرين طرفة عين ولا أقل

فإذا رأى عبد فى نفسه أن عناية الله تخلفت عن نصرته أو أن الله لم يكلأه بعنايته فليفتش فى نفسه وليبحث عن مرضه الذى أسقطه فى ذلك لأنه لو صدق فى الاتباع فإن الله يصدق معه فى التأييد وحتى يصدق فى الاتباع لابد أن يتحقق أنه دخل فى قول الله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الأحزاب23

والصدق يستتبع أن المرء يُبعد الوهم والخيال من مخيلته وذاكرته ولا يعيش فى الأوهام فقد تُخيل له نفسه أنه من أكمل الأتباع وهو يمشى على هواه ، لأن الذى يُزين له ذلك خياله ونفسه الأمارة بالسوء

والميزان لابد له من وَزَّان ، والوَزَّان والميزان الذى يزن الرجال لابد أن يكون قسطاساً مستقيماً نصبه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هل يجوز أن يجعل كل تاجر ميزانه على مزاجه الشخصى وعلى هيئته وحالته؟ لابد أن يكون ميزانه يطابق مصلحة الموازين التى جعلتها الدولة لضبط الموازين

فالدولة العلية الإلهية جعلت الميزان فى الأعمال والأحوال لجميع الرجال من قبل القبل إلى بعد البعد من؟ هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الأحزاب21

لكن لو تُرك الأمر للخلق لأراد كل رجل أن يزن نفسه بما تخيله خياله وبما توهمه وهمه ولذلك يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه فى شأن ذاته وهو ميزان جعله الله لأهل هذا الزمان:


أنا الميزان للأحوال فانهض لأحوالى تنل رتباً علية


ويقول للواهمين والسامعين والحاضرين أجمعين:


كل ما توهمته بميزان كسب فهو مهواة حاطب حيران


لا تُحَكم الوهم ولا الخيال ولا النفس فى أحوال الرجال ولكن عليك بالموازين التى وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتى صار عليها المحققون من العرفاء بالله إلى يوم الدين

والميزان رمانته: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} البقرة143

الوسطية ، ويقول فيه الإمام أبو العزائم رضي الله عنه: {وسطاً فكن يا طالب الإقبال} ولذلك يقول الشيخ العربى الدرقاوى: {الناس ثلاثة: رجال مُغيبون بالكلية وهم أهل الجذب وهؤلاء كثير ، ورجال فى صحو بالكلية ويُحكمون عقولهم فى كل أمر ويتبعون ظاهر الشريعة وهم كثير ، ورجال مُغيبون بالكلية وحاضرون وفى صحو بالكلية وهؤلاء أقل من القليل}

لأنهم فى تمام المحو وفى تمام الصحو ، فى تمام الجذب وفى تمام اليقظة مع الخلق جعلوا الجذب لقلوبهم وجعلو الصحو مع الخلق لأجسامهم فيُعطون لكل حقيقة حقها وهؤلاء هم الأقلون عدداً الأكثرون مدداً وهم النمط الذين ينبغى علينا أن نحتذى بهم وأن نمشى على حالهم
[/frame]