19 فبراير,2014 • بواسطة azamn
- أوكار تديرها شبكة آسيوية استمرأت التكسب غير المشروع

- عمد أهلها إلى تعقب البؤر وحصرها بدقةٍ وعناية وتسليمها للجهات المعنية

- القاطنون يشتكون من غياب المداهمات وتعقب المروجين



تقرير – أحمد سيف الهنائي

يعيش قاطنو منطقة وادي عدي التابعة لولاية مطرح حالةً من القلق والتوجس جراء استفحال آفة المخدرات وانتشارها بشكلٍ مخيف، حتى غدت المنطقة اليوم حاضنة أصيلة لمروجي المخدرات ومتعاطيها، ما جعل فلول المدمنين يفدون إليها كلما نفدت جرعاتهم.

المشهد وسط الأزقة والأحياء الضيقة يشي بالكثير من تفاصيل الريبة، سرعان ما تنقشع الغمة بظهور الباعة المتجولين في وضح النهار لا يغشاهم قلقٌ أو خوف، ولا يرتاب الآخرون المتصندقون في مواقعهم؛ إنما يشرعون أيديهم للريح ينفثون سمومهم لكل مغررٍ به، أو وقع فريسة مكلومة لهذه الآفة القاتلة. صرخات أهلها واستنجادهم بالليل والنهار لم تأتِ بطائل، فلا نجدةً حضرت، ولا عابثٍاً مستهترٍاً متاجرٍاً بأفيونه اختار الرحيل، وظلت المنطقة تئن بكل أوجاعها وصدى صوتها لا يتجاوز حلاقيم أهلها.

الجولة الأخيرة في وادي عدي “للزمن” خلفت وراءها تساؤلاتٍ لا نهاية لها، ولا بصيص أملٍ للتغيير دون تدخل إرادةٍ عليا في إدارة متكاملة العناصر من الجهات المعنية، فالعابثون فرّخوا بؤراً لم تعد اليوم خافيةً على أحد، إذ طارت سمعة “وادي عدي” في الآفاق، فيندر أن تجد على هذه الأرض بشرياً لا يعلم أنها موطنٌ أصيل لأوكار المخدرات وسائر المسكرات، تديرها شبكة آسيوية استمرأت التكسب غير المشروع، وشمرت عن سواعدها لهدم ما تبقى من صمود شبابها المنجرف إلى هاوية الموت بلا هوادة.

مجرد أن تشعر بحركةٍ مشبوهةٍ في “سكيكها” وتعرجات أحيائها حتى يخامرك الشك في وجود عملية تسليمٍ وانتفاع لسائر أنواع الأفيون من المورفين والهيروين والكوكايين ومختلف المنشطات، حتى بات القاطنون بمختلف فئاتهم العمرية على درايةٍ تامة بأنواعها ومسمياتها.

تجمعات العمالة الآسيوية، وفتح منازلهم على مصراعيها للداخلين والخارجين تنبئ بتفاقم المشكلة وجرأتهم على مزاولة تجارتهم المشبوهة من دون خوفٍ أو وجل، ما حدا بالأهالي إلى تعقب كل الأوكار والمنافذ التي يتم من خلالها توفير الجرعات وبيعها وتبادلها وتعاطيها بدقة، وعمدوا إلى حصرها بعنايةٍ في قوائم مفصلة تم تسليمها إلى الجهات المعنية، ورغم مرور مدةٍ طويلة على المتابعات والتواصل المستمر لا يزال الأمر على حاله، ما يثير الكثير من القلق في نفوس الأهالي في غياب الحلول والمعالجة.

في كلماتٍ تسلل اليأس إلى نفوس أصحابها؛ يبادرنا شباب المنطقة بالحديث عن الواقع المأساوي الذي يعيشونه، إذ يقول إسحاق بن عبدالله العدوي: “ما يحدث في وادي عدي من استفحالٍ للمخدرات مرعبٌ حقاً، وباعثٌ على رحيل الأهالي من المنطقة، وإن كان الغالبية العظمى من سكانها لا تسعفهم أحوالهم المادية في الخروج منها، إن لم يأتِ التدخل سريعاً فسيحدث ما لا يحمد عقباه، فالمنطقة مستعرة صدقاً”، يشاركه الرأي محمد بن حارث اليحيائي، بقوله: “من الغريب أن لا نرى مداهمات لأوكار المخدرات في وادي عدي رغم انتشارها بكثرة، المنطقة تعيش حالةً من الفوضى بسبب إهمال التفتيش المستمر للمنطقة وتجاهل المسؤولين لها، وعن تنامي سوق المتاجرة بالمخدرات في المنطقة فإني أكتفي بالقول إن السيل قد بلغ الزبى ولا بد من الضرب بيدٍ من حديد على الأوكار التي تغذي هذه السموم لشبابنا وما أكثرها”. في حين فإن محمد بن رضا البلوشي يتنهد بحسرة: “نستغرب فعلاً هذا البرود القاتل في التعاطي مع هذه المسألة الخطيرة، إنها أرواحٌ تتقاطر إلى المقابر، وشبابٌ في ريعان العمر ينساقون إلى الهاوية ولم يأخذوا حقهم من العناية، كل شيءٍ غائبٌ هنا، لا توجد توعية على مستوى الحدث، ولا معالجة جذرية للمشكلة والتخلص من مسبباتها ودواعيها”.

في ختام زيارتنا لوادي عدي، كان لأهاليها ملاحظاتٌ أخرى، إذ يتحدث أحمد بن عبدالله الفوري عن مشاكل الصرف الصحي بقوله: شركات الصرف الصحي تحول منازل المواطنين إلى خزانات صرف صحي، فعندما جاءت الشركة إلى منطقة وادي عدي لتمديد الأنابيب أحدثت أضرارا جسيمة بمنازل المواطنين، بل وحفرت مجمعات صرف صحي داخل منازل الفقراء المتهالكة، وبذلك نجحت في تحويل منزل المواطن إلى خزان صرف صحي ليعيش فيها المواطن وأسرته، وقد قام الأهالي بمخاطبة الشركة وأعضاء مجلس الشورى وأعضاء المجلس البلدي، وما كان منهم سوى مواساة الأهالي المنكوبين في منطقة وادي عدي على ما أصابهم وما يصيبهم يوميا من نكبات.

بيد أن زكريا بن يوسف المعولي يركز كثيراً على مشكلة البطالة بين الأهالي وغياب الضمان الاجتماعي في منطقة وادي عدي، فيقول: يسكن منطقة وادي عدي غالبية عمانية فقيرة لا تتلقى أية مساعدات إلا بجهودٍ فردية، وقد طالب الأهالي وزارة التنمية الاجتماعية ومكتب والي مطرح بدراسة أوضاعهم وصرف المساعدات للفقراء وتشغيل العاطلين من الأسر الفقيرة وتوفير فرص الأعمال التجارية البسيطة للأسر المتعففة، ولكن عدداً قليلاً فقط من الأهالي نال مكافأة الضمان الاجتماعي، فيما بقي الغالبية من الفقراء بدون ضمانٍ اجتماعي. قدم الأهالي قوائم الأسر الفقيرة إلى جمعية دار العطاء منذ عدة أشهر، وقد وعدت الجمعية بدراسة هذه الحالات، غير أنه حتى الوقت الحالي لم تقم بأية مبادرة لدراسة حالات تلك الأسر.

في حين يرى محمد بن سعيد الكيومي ضرورة إيجادٍ حلٍّ لتصريف المياه، فيقول: في أوقات هطول الأمطار سقطت أسقف كثيرٍ من منازل البسطاء في المنطقة، وقد تعاون بعض أهالي ولاية مطرح في مساعدة عددٍ من الأسر وتوفير البطانيات والمفارش بعد إتلاف مياه الأمطار لكافة ممتلكات هذه الأسر بسبب غرق منازل وبيوت هذه الأسر بفعل مياه الأمطار، كما أن مياه الأمطار تتجمع لعدة أيام بسبب سوء التصريف فيما قامت بلدية مسقط برفع مستوى كبس الأزقة عن مستوى المنازل وبيوت الأهالي بحيث أن مياه الأمطار تنساب من الطرقات والأزقة إلى داخل المنازل، وتبقى عدة أيام لحين نضوب المياه من الشوارع والأزقة، خلال مدة بقاء هذه المستنقعات التي تكون قد حملت الأوساخ والمخلفات ومياه الصرف الصحي وتكاثرت فيها الحشرات وانتشر البعوض والقوارض فإنه تنتشر الأمراض بين أبناء الأهالي، وحتى يأتي اليوم الذي تتمكن فيها الأسر من أن تعيد ترتيب أوضاعها والعودة تدريجيا إلى الحياة الطبيعية يكون أبناء هذه الأسر قد تلفت كتبهم الدراسية وفقدوا الانتظام في المدارس أياما بسبب انشغال أهاليهم بمعالجة النكبات التي تصيبهم عدة أيام في كل مرة، وهذه المعاناة متكررة منذ عقود، ولم تلتفت بلدية مسقط إلى هذه الشكاوى حتى الآن.