بسم الله الرحمن الرحيم

نحن نمُر في مجتمعنا بحالات فريدة لم نجد نماذج منها في السابقين ولا مثيل لها في المعاصرين شغلتنا أجمعين فانشغلنا بالفضائيات وشُغلنا بالصحف والمجلات والكل يدَّعي أنه من أهل التحليل في هذه الأمور البيِّنات وكلٌ له وجهة نظره وكلٌ له اجتهاده في فكره

أما آن لنا أن ننظر إلى شيءٍ مما وصف به نبينا هذا الزمان أما نرجع إلى سنته العطرة فننظر إلى أدّق الأخبار وأصدق الأحاديث التي وصف فيها هذا الزمان وكأنه يعيش بيننا الآن لأن الله قال له وقال لنا في شانه {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يوسف108

نظر النبي صلي الله عليه وسلم من سقف الحجاب إلى هذا الزمان فقال عن أبي هريرة رضي الله {سَتَكُونُ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ}[1] وهو ما نراه الآن ما سببها وما علاجها؟ لا تجد ذلك إلا عند الذي لا ينطق الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} النجم4

لا تجد ذلك عند كلام المحللين السياسيين ولا غيرهم ولا عند مراكز البحوث العصرية وما تجريه من بحوث وما تصنعه من استطلاع رأى وغيره لكن النبي هو الذي ألهمه الله الصواب في هذه الفتن التي نحن فيها الآن ما علاجها وما أسبابها؟

جعل النبي صلي الله عليه وسلم سبب ما نحن فيه أمرين اثنين لا ثالث لهما الأمر الأول يقول فيه {وإياكم والبغضة فإنها هي الحالقة لا أقول لكم تحلق الشعر ولكن تحلق الدين}[2]

ما أصيبت به القلوب وقلوب أهل الإيمان ينبغي عندما يدخلون في دين الرحمن أن يطبق عليهم فوراً ما قاله الله في أوصاف أهل الإيمان في القرآن {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ }الحجر47

أهل الإيمان وصفهم كما قال فيهم ربّهم قلوبٌ طهرت من الغل والحقد والحسد والأثرة والأنانية والشُح وحب الذات والرغبة في إثارة الفتن والمنازعات والرغبة في العُلو في الأرض بغير الحق والرغبة في التميز على الناس في الدنيا وغيرها من الأمراض الظاهرية التي هي لُب مشكلاتنا الاجتماعية التي نراها الآن

وسبب هذه المشكلة غير المباشر والذي يؤدي إلى هذه المعضلة بيَّنه النبي صلي الله عليه وسلم فقال {يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ}[3]

الأصل في كل فساد في القلوب هو حب الدنيا لأن الإنسان إذا امتلأ قلبه بحب الدنيا حرص عليها فلم يستطع أن يُحصِّلها من حلال فيلجأ إلى الأساليب الحرام في سبيل تحصيلها انظر إلى ما في الأسواق من فساد وما في الأرزاق من خبث تجد له سبباً واحداً هو حب الدنيا وهو الذي يجعل الرجل يغش في كيله ولا يوفي ميزانه يغش في سلعته ولا يراعي المؤمن عند بيعه وشراءه

وهو الذي يجعل الزارع يضع في محصوله الذي يأكله إخوانه المؤمنون ما نهى عنه الله وما حرَّمه شرع الله وما منع منه العلم الحديث في هذه الحياة فيضع في محصوله هرمونات لينضجه في وقت يسير ليكون المكسب كبير أو يضع مُبيدات أو يعالجه بكيماويات ويعلم علم اليقين أن هذا يهلك أجساد إخوانه المؤمنين

ولكنه يستبيح ذلك في سبيل الحصول على مكسبٍ قليل ونذرٍ يسير ونسى أنه خرج من الأمة بنص حديث البشير النذير {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا} [4]

لا يهمه أن يخرج من صفوف الأمة ولكن يهمه أن يملأ جيبه بالمال الحرام أو يقيم ثروته على هذه التجارة الحرام والتي كلها ذنوبٌ وآثام وهكذا إذا نظرنا إلى أي خلافاتٍ أو مشاحناتٍ وإلى شكايات في الهيئات المدنية أو الرسمية أو المحاكم، نجد وراء ذلك كله هو حب الدنيا

[1] الحديث رواه مسلم بلفظ [بادروا بالأعمال الصالحة فستكون فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا ]
[2] أخرجه البخاري في الأدب [رقم/ 260]
[3] سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد عن ثوبان
[4] سنن ابن ماجة والطبراني عن هانيء بن الحارث



http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...1&id=94&cat=15

منقول من كتاب [الأشفية النبوية للعصر]

اضغط هنا لتحميل الكتاب المنقول منه الموضوع مجاناً