بِسمِ اللهِ الرَّحمَـنِ الرَّحِيـمِ



لا تمر الحياة بالمرء على ما يشتي ويريد ، وإنما تأتي عليه في أوقات أزمات متراكمة تكون أقرب من حبل الوريــد،
وتدلهم حوله المشكلات والخطوب ، وتشتعل بين جوانبه نيران الألم وتضيق به الدروب ، فينفجر به الألم حتى وكأن
أوردته ستتقطع من شدته ، وتلتهب نيران العذاب بأعماقه وكأن بركانا قد ثار من قوته ، فتستجدي عيونه الدمــــوع
لتطفي اللهيب الحارق ، وتستعطف بؤرته الأدمع لتخمد براكين الآلام وحسرة الأوجاع والمطارق ...



يجد المرء نفسه أحياناً داخل غرفته ملتحفاً بكفيه وهو يبكي من الضيـــق،
وكلما تذكر موقفا آلمه استرسل في بكائه وزاد النحيب وأخفى دمعاته عن
الصديق ، فإذا ما بحث عن سبب استرساله في النحيب لــم يجـــد جوابــاً
سوى ضيق ومزاج متعكر ، وذكريات حزينة بعيدة دلفت لعقله فاسـتــثارت
شعوره فأمعنها وهو لها متدبر ، فتذكر أباً قد ودع الحيــاة ورحــل، وأمــاً
قاست من المرض ما أعجز أطباء في علمهـم كالجبــل ، وزوجــاً أرهقتــه
الحياة بأثقالها فلم تلائمه الدنيا على سعتها فرجا أن يغــادرها بعيــداً إلــى
زحل، وصديقا ببشاشته كان مؤنسا يطيب الخاطر فلم يتركــه المــوت حتى
أذاقه طعمه فأوقع عليه أمر الله بلا جدل ، وأخاً معواناً على الخير تلقـفتـه
أيد فاقعة من الرشد هوت به إلى هوة فـقــارف الــذنب وأدمــن الزلـــل ، وبلـداً نهبت خيراته ودمر وقتل أهله واستنزفت
موارده فعاد قرونا إلى الوراء فلما بكى سمع من باع البلد يقول :
هذه ضريبة الديمقراطية فـ لا خوف ولا وجل ...



قد يكون ذلك الحال منة من الله لتذكرته من غفلة ، ولتنبيهه من زلة ، ولإيقاظه من فعلة ،
فلا يلبث المرء أن يخرج من حالته ليسائل نفسه ما الذي أحزنهـا ..؟ وما الــذي بلغهــا حالاً
صعباً ذرف فيها دموعاً لو وزعت على الأرض لروتها ، فيجد نفسه حائراً لا جواب له مــن
ذلك إلا أنه فضل من الله حكمة لعبده أرادها ، وقد يجد سبباً لحاله لكنهــا تظــل لطفــاً مــن
العلي الكريم ليثوب وقتها إلى رشده ، وليكثر السجود والإنابة إلى ربه ، وليوقن أن الحياة
كما أن الخير يملؤها فالشر لا يخلو منها ، وإن كانت النعم من الله عليه تترادف ، فلا بد من
وقت تنقطع فيه برهة حتى تنبه الأنفس لكي عن السوء تتجانف ...




فالبكاء نعمة يخفف الله عن النفس آلامها ،،
وتذكرة لتعيد للقلوب صفائها ، ورحمة تنشر
على الأرواح عبير تقواهـا ..





مَفتُـــوحٌ للـفَـضــفَـضَــة ...


منقول